Skip to main content

ليبيا وحتمية صياغة دستور جديد .. مقال الأستاذ الدكتور شحاتة غريب شلقامى فى الأهرام المسائي

ليبيا وحتمية صياغة دستور جديد

مقال بقلم :

الأستاذ الدكتور شحاتة غريب شلقامى فى الأهرام المسائي  ... يوم 25 يناير 2022م

ليبيا وحتمية صياغة دستور جديد

منذ أن بدأت أحداث ما يسمى بالربيع العربي في ليبيا عام ٢٠١١م، وما ترتب عليها من دمار شامل، وهدم لكل مقومات الدولة الليبية، وتغييب مقصود لسلطاتها، كي تعم الفوضى أرجاء كل المناطق الليبية شرقا وغربا، دون أدنى تفكير فيما قد تصل إليه الأمور من تدهور اقتصادي، وصراعات سياسية مبنية على أسباب عنصرية، وتدخل سافر من بعض الدول غير العربية في شئون البلاد، مما أدى إلى تبني أجندات لا تمت بصلة إلى مصالح الشعب الليبي، ولا تعبر عن طموحاته، وبدلا من السعي إلى تحقيق الأمن، والأمان، والاستقرار لكل الليبيين، أخذ المرتزقة على عاتقهم، مهمة استغلال هذه الأوضاع غير المستقرة، بهدف تنفيذ مخططاتهم، والعمل على تقسيم الدولة الليبية إلى دويلات صغيرة، تصارع بعضها بعضًا، بدلا من التكاتف والاتحاد من أجل الحفاظ على ركائز الدولة، ومقوماتها، وأن تكون ثروة وخيرات الأرض الليبية للشعب الليبي فقط! 

وفي ظل هذه التوترات، والاضطرابات، وشيوع حالة من الفزع، والخوف، والإرهاب، حاولت بعض الحركات الوطنية المخلصة صياغة دستور جديد، يضمن تحقيق الاستقرار لليبيا، ويرسم طريقًا واضحًا، يمكن في حالة إتباعه، الوصول بليبيا إلى بر الأمان، ولكن قد استطاع بعض الخونة والمتطرفين، وبمساندة من بعض الدول التي لا تريد الاستقرار لليبيا، أن تجهض كل محاولات صياغة دستور جديد، بسبب رغبة هذه الدول في السيطرة على مقاليد الأمور، وتحقيق المكاسب على حساب حقوق المواطن الليبي! 

وجدير بالذكر أنه منذ صدور الإعلان الدستوري في عام ٢٠١١م لينظم الفترة الانتقالية التي تمر بها ليبيا، لم يصدر حتى الآن دستور جديد يعبر عن الشأن الليبي، وقد طالت للأسف الشديد هذه الفترة الانتقالية بشكل غريب، وكأن هناك أصابع خفية ما زالت تعزف أنغام عدم الاستقرار للشعب الليبي، وأن تطول سنوات الفوضى، والضياع، وفقدان الأمن، والأمان، بهدف تحقيق الحلم الكبير في تقسيم ليبيا إلى عدة دول ضعيفة، تكون مرتعا للمرتزقة، وللعصابات المسلحة، لنهب ثروات الشعب، والعبث بمقدراته، وانتهاك حقوقه وحرياته! 

ولعل ما يحدث في هذه الأيام، يؤكد بجلاء أن هناك بعض الحركات غير الأمينة على مصالح الشعب الليبي، لا ترغب في إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، وهي نفسها ذات الحركات التي لا ترغب في صياغة دستور دائم للبلاد، ينص على الحفاظ على مقومات الدولة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وأن يضمن حماية الحقوق والحريات العامة، وأن يبين بوضوح سلطات الدولة وهيئاتها، واختصاصات هذه السلطات والفصل بينها. 

وليعلم الجميع أن القصة ليست في تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى يناير كما قيل ذلك في ديسمبر الماضي، أو تأجيلها إلى يونيو القادم كما يقال في هذه الأيام، ولكن القصة تكمن في وجود الإرادة الحقيقية والصادقة في إجراء الانتخابات، وتحديد معالم الطريق نحو الدولة الليبية الموحدة والقوية، والتي يحكمها أبناؤها، وليس غيرهم الذين يأتون تحت غطاء أممي من منظمة دولية معينة، بهدف عرقلة كافة الجهود التي تسعى بكل جدية لعودة الدولة الليبية بكل أركانها! 

ولا ريب أن الانتخابات الرئاسية أو النيابية أو غير ذلك من الاستحقاقات، لا يمكن أن تتم إلا إذا أدرك الشعب الليبي حتمية صياغة دستور جديد يعبر عن كل الليبيين، ويضمن للشعب الليبي الحياة الكريمة الآمنة، ويعزز من قيم المواطنة، والمساواة، والتعايش، والتماسك، وأن تكون ليبيا لكل الليبيين، لا فرق بين ليبي وآخر، بحسب الإقليم أو المنطقة، ولا فرق بين الشرق والغرب، أو الجنوب والشمال، وأن إدارة شئون البلاد لا يمكن أن تكون حكرًا على فصيل معين، أو جماعة معينة، أو منطقة معينة، وأن الشعب الليبي وحده هو مصدر كل السلطات، وهو فقط صاحب اختيار طريقة حكمه، ومن يحكمه، وكيف يحكمه، وفقا لضوابط، وقواعد دستورية واضحة، لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهلها، أو مخالفتها! 

 وأن يكون الجميع ملزمًا باحترام هذه القواعد، وأن يتم تغليب الصالح العام على الصالح الشخصي، وأن تكون نوايا الجميع صادقة لعودة الدولة بمعنى الكلمة، وأن تعود لها سيادتها، وألا تكون محكومة من الخارج، أو من الداخل من بعض العناصر غير الوطنية، وغير الحريصة على صالح الدولة، وحق الشعب في تقرير مصيره، وعدم تدخل الآخرين في شئونه، واحترام أن الدولة الليبية قد أصبحت بالفعل ذات سيادة! 

ولا شك أن وجود دستور جديد لليبيا، يوضح كل الأمور المتعلقة بشكل الحكم ونظامه، وكيفية تنظيم الحياة السياسية، وبيان الحقوق والحريات، سيقلل من فرص الراغبين في تأجيل الانتخابات، وعدم تحقيق الاستقرار لليبيا، ووضع العقبات أمام المسيرة نحو عودة الدولة بكافة سلطاتها. 

وليس معنى ذلك هو الوصول إلى نهاية مخططات الفوضى، بل قد نجد رغم صياغة الدستور الجديد، وجود بعض الخونة الذين يحاولون تعطيل نصوص هذا الدستور، وعدم العمل بها، بهدف استمرار حالة الارتباك السياسي، وتفاقم الخلافات بين الحركات السياسية، وتأجيج الصراعات بين المناطق، وهو ما يدعوا إلى ضرورة إدراك الشعب الليبي لحجم المسئولية وخطورة المشهد، وأثره السلبي على الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، وما قد يترتب على ذلك من انهيار للدولة ومقوماتها! 

ولذلك، إذا كانت مسألة صياغة الدستور الجديد لليبيا أمرا حتميا، فإن وجود الإرادة الحقيقية وليست الوهمية لاحترام هذا الدستور، تكون أمرا ضروريا، وفي غاية الأهمية، لأن وجود النصوص دون احترام تطبيقها، وإن كان في وجودها في حد ذاته قدر من الأمان، وبعض الضمانات، إلا أن عدم احترام هذه النصوص، والعمل على تطبيقها، سيقود إلى الفشل في عودة الدولة الليبية!

بقلم

أ. د/ شحاتة غريب شلقامي

أستاذ القانون ونائب رئيس جامعة أسيوط

https://gate.ahram.org.eg/News/3288977.aspx