Skip to main content

مصير الانتخابات الرئاسية الليبية.. إلى أين؟ ... مقال الأستاذ الدكتور شحاتة غريب شلقامى فى الأهرام المسائي

مصير الانتخابات الرئاسية الليبية.. إلى أين؟ ...

مقال بقلم :

الأستاذ الدكتور شحاتة غريب شلقامى فى الأهرام المسائي  يوم 18 يناير 2022م

 مصير الانتخابات الرئاسية الليبية إلى أين؟

نتفق أو نختلف لقد عاشت ليبيا سنوات من الاستقرار، قبل أن تتعرض إلى أحداث ما يسمى بالربيع العربي، وكان الأمن والأمان هو شعار مرحلة ما قبل عام ٢٠١١ م، وكانت الدولة الليبية تستقبل مئات الآلاف من المصريين وغيرهم للعمل بها، والمشاركة في تنميتها، ولكن سرعان ما ذهب الاستقرار مع الريح، بسبب عاصفة الربيع العربي، الذي قضى على مقومات معظم الدول العربية، وليست ليبيا وحدها!

وبات الأمل في عودة الدولة الليبية بكل مقوماتها حلما كبيرا، يتمنى كل الشعب الليبي تحقيقه، كي ينعم بالأمن والأمان والاستقرار، وكي يجد الحياة الكريمة، التي فقد معناها خلال سنوات عديدة، لم ير فيها سوى الخراب والدمار، ولم تعد حدائق طرابلس تغازل أغصان أشجارها أغصان أشجار بني غازي، ولم يعد سكان بني غازي يثقون في رؤى سكان طرابلس، ولم يعد في ليبيا كلها يوجد خط أحمر يتعلق بأمنها القومي، وممنوع الاقتراب منه، لكن قد كانت الفوضى هي عنوان الحياة الليبية، وكانت الخيانة هي شعار بعض الحركات العميلة، لينخدع بعض الأشخاص في الوقوع في أحضانها، ليتم تنفيذ الخطط التآمرية ضد الدولة الليبية وضد استقرارها! 

وبدلا من الحفاظ على الأرض وحدودها، صارت ليبيا مرتعا للمرتزقة، وجاء هؤلاء إليها من كل فج عميق، ليكملوا رحلة التدمير والإرهاب، وليرعبوا الشعب عندما يطالب بحقوقه، وفي حالة المعارضة على قرارات هؤلاء المرتزقة، فإن مصير المعترض سيكون الجحيم لا محالة، وصارت ليبيا سطرا مهما ضمن سطور بعض الأجندات لعديد من الأجهزة المخابراتية، التي تطمع في خيرات الشعب الليبي، وبدلا من أن ينعم هذا الأخير بهذه الخيرات، حالت هذه الأجهزة بينه وبينها، لتكون موارد ليبيا وثرواتها ملكا لدول أخرى، تستغلها، وتستثمرها، لتحقق التنمية لشعوبها، وليس للشعب الليبي!

واستمر الحال على ذلك حتى جاء ديسمبر الماضي، ليدق الأمل من جديد أبواب ليبيا، وبدأ الشعب الليبي يشعر بالاقتراب من استرداد الدولة بكامل أركانها، في ظل إتمام الانتخابات الرئاسية، التي طال انتظارها، وأن يكون لليبيا رئيسا من أبنائها، يعمل من أجلها، ويعمل من أجل وحدتها، ولم الشمل، وتحقيق التماسك الاجتماعي، وعودة شعار الدولة الواحدة، وليس عدة دويلات، كما يرى الأعداء، الذين يرغبون في تقسيم ليبيا، والعمل على تفكيك أركانها، والقضاء على سلطاتها، وهو ما يظهر وبقوة في تصرفات بعض الدول، التي ترى من ليبيا بوضعها غير المستقر، المكان الخصب، لتحقيق طموحاتها التوسعية، والسيطرة على مقاليد الأمور، بما يتناسب ويتماشى مع الأجندات الموضوعة سلفا، لإعادة تقسيم كل الدول العربية، بما يصب في مصلحة مشروع الشرق الأوسط الجديد! 

وهذا هو ما حذرت منه القيادة السياسية المصرية كثيرا، وذكرت في كل المحافل الدولية، أن استقرار ليبيا، ووحدة أراضيها، هو أمل الدولة المصرية، وحلم كل المصريين، لأن الأمن القومي المصري لا يمكن أن يكون أو يتحقق، إلا بالحفاظ على الأمن القومي الليبي، وأن العلاقات التاريخية التي تجمع بين الشعبين المصري والليبي، تؤكد دون أدنى ريب، عمق الرباط بين البلدين، الذي لا يمكن لأي خائن أو عميل، أن يمسه بسوء، أو يعتقد أنه سينجح في تحقيق العزلة أو الفرقة بين الشعبين! 

وليعلم الجميع أن كل الخطوط الحمراء التي أعلنتها القيادة السياسية المصرية، قبل أن تصب في صالح مصر، فهي تصب في صالح ليبيا، واستقرارها، وعودة الدولة بمعناها الحقيقي، والحفاظ على مقوماتها، وتمكين الشعب الليبي من إجراء كل الاستحقاقات الانتخابية، لتعود الدولة الليبية من جديد في ممارسة دورها، من أجل تحقيق التنمية، والرخاء، وتوفير الحياة الكريمة للشعب الليبي، وهو ما لا يمكن أن يحدث إلا بوجود رئيس منتخب، يقود ليبيا، وشعبها، نحو الاستقرار والتنمية. 

فما حدث في ديسمبر الماضي يؤكد صحة كل ما قيل آنفا، حيث عملت الميليشيات المسلحة، والحركات المتطرفة على تعطيل العملية الانتخابية، وقتل الأمل في عودة الدولة الليبية، ورغم إصرار الشعب الليبي على المشاركة بإيجابية في الانتخابات الرئاسية، لاختيار رئيس لليبيا، إلا أن هذا الإصرار، قد واجهه كثيرا من التحديات والعقبات، التي صنعتها الميليشيات المسلحة، ومجموعات المرتزقة الموالين لبعض الدول غير الراغبة في عودة الاستقرار للدولة الليبية، وبات الحلم في إتمام الانتخابات الرئاسية مهددا، في ظل إصرار وهمي من أمريكا، وبعض الدول الأخرى، التي خشيت من الإصرار القوي، والحقيقي، على تنفيذ الانتخابات الرئاسية في موعدها، ورضخت لمطالب العصابات المسلحة، التي هددت مقرات المفوضية العليا للانتخابات في أكثر من مكان، وانتصرت هذه العصابات على الدول الكبرى، دعاة الديمقراطية، وفشلت هذه المفوضية في إتمام العملية الانتخابية في موعدها المقرر في ديسمبر الماضي!

وتم تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى الشهر الحالي، بحجة العمل على تأمين المقرات الانتخابية في كل الأماكن، كي يتمكن الليبيون من أداء حقهم الدستوري في انتخاب الرئيس، الذي يقودهم نحو الاستقرار، وإعادة إعمار ليبيا، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد: هل تغير الموقف الأمني في يناير الحالي عن ديسمبر الماضي؟! وهل أصبحت مقرات المفوضية العليا للانتخابات وكل المقرات الانتخابية أكثر أمانا الآن؟ 

أعتقد أن كل الشعب الليبي والشعوب المحبة لتحقيق الاستقرار في ليبيا تعلم جيدا أن تحقيق الأمن، والأمان، وتهيئة المناخ لإجراء الانتخابات الرئاسية، يحتاج إلى وعود حقيقية من الدول الحاكمة للملف الليبي، وليست مجرد وعود زائفة، ككل الوعود السابقة، كما يجب على المجتمع الدولي كله أن يشعر بمسئوليته تجاه ليبيا، وأن يأخذ بيد شعبها، كي تنجح العملية الانتخابية، وإلا سيكون مصير الانتخابات الرئاسية ما زال مرهونا برؤى وقرارات الميليشيات والحركات والعصابات المسلحة!

بقلم

أ. د/ شحاتة غريب شلقامي

أستاذ القانون ونائب رئيس جامعة أسيوط

https://gate.ahram.org.eg/News/3262226.aspx