Skip to main content

مقال الأستاذ الدكتور شحاتة غريب شلقامى نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب فى الاهرام المسائي .. هل انتفضت أمريكا من أجل أوكرانيا؟!

مقال الأستاذ الدكتور شحاتة غريب شلقامى نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب فى الاهرام المسائي ..

 هل انتفضت أمريكا من أجل أوكرانيا؟! ...

د شحاته

يتابع العالم كله باهتمام الأحداث فى أوكرانيا منذ أيام، بسبب الصراع بينها وبين روسيا، والذى تسبب فى نشوبه الإدارة الأمريكية، وبعض إدارات الغرب، بهدف زعزعة الاستقرار فى مناطق الاتحاد الروسي، تمهيداً للقضاء عليه، كما تم القضاء على الاتحاد السوفيتى من قبل !

فما يحدث حالياً فى أوكرانيا يتم بفعل فاعل كما يقولون، والضحية هي أوكرانيا وشعبها، وليس الشعب الأمريكي، أو غيره من شعوب دول الغرب الداعمة للأجندة الأمريكية، لأن الهدف الأساسي من كل ذلك هو تهديد الأمن القومي الروسي، وزرع الألغام فى كافة الدول المجاورة لروسيا، والتى كانت يوما ما ضمن الاتحاد السوفيتى سابقاً، لتفجير هذه الألغام فى الوقت المناسب، والذى تراه أمريكا قد حان، للتخلص من بوتين وإدارته، ومن ثم إخضاع موسكو لهيمنتها وسيطرتها مدى الحياة!

فلا ريب أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى تحقيق مصالحها، وليس عيباً فى ذلك، بل يجب على كل دولة أن تسعى إلى الدفاع عن مصالحها، وأن تجتهد من أجل تقدمها ورقيها، ومن أجل أن توفر سبل الحياة الكريمة لشعبها، ولكن هناك أبعاد إنسانية يجب مراعاتها، فإذا كانت المصلحة هى معيار تعامل الدول مع بعضها البعض، إلا أن احترام مصالح الدول وحقوق شعوبها يجب أن يؤخذ أيضا بعين الاعتبار، وليس من الإنسانية فى شيء أن تدافع الإدارة الأمريكية عن أجندتها، ويروح ضحية ذلك الشعب الأوكراني بأكمله !

فإذا كانت انتفاضة موسكو مقبولة سياسياً، أو أن هناك مبررات قد تكون مقنعة، لتحركاتها العسكرية نحو كييف، إلا أن انتفاضة أمريكا ليست من أجل أوكرانيا، ومن الصعب الاقتناع بما تعلنه الإدارة الأمريكية من مبررات، تتمثل فى حماية الشعب الأوكراني، أو حماية الأمن القومي لأوكرانيا، فهى تعمل فقط على حماية الأمن القومى لواشنطن، وليس لكييف، أو غيرها من العواصم الأخرى!

وتجدر الإشارة فى هذا المقام إلى أنني لست مع قتل المدنيين، أو ترعيبهم، ولكن كما يعلم الجميع إنها الحرب التى لا تفرق بين عسكري ومدني، ولا تفرق بين الأخضر واليابس، ولا تفرق بين المنشآت العسكرية والمدنية، فالجميع يقع تحت طائلة الخطر، والجميع يكون مجبراً على التواجد بين نيران المدافع والصواريخ، وقذف الطائرات والدبابات، لأنهم لا يختارون الحرب، بل يجبرون عليها، بسبب خيانة قادتهم لهم!

وفى حقيقة الأمر يأتي الرئيس الأوكرانى زيلينسكي فى الصفوف الأولى لتحمل المسئولية عما يحدث فى أوكرانيا، فإذا كانت الإدارة الأمريكية هى المحرك لكل شيء، إلا أن الرئيس الأوكراني هو الذى قد سمح بأن يكون عبارة عن قطعة شطرنج فى يد أمريكا والغرب، لتحريكه كيفما يشاءون، ومن أجلهم، وليس من أجل حقوق ومصالح الشعب الأوكراني!

فلم تكتف الإدارة الأمريكية بانهيار الاتحاد السوفيتى، وضم معظم دول حلف وارسو سابقا إلى حلف الناتو، ولكن قد عملت باستمرار وبتحالف مع الغرب ضد موسكو، وقد اعتبرت أوكرانيا الوسيلة التى تحقق غايتها، فإذا كانت غايات الشعب الأوكراني هي الأمن والسلام والاستقرار، فليس مهماً عند أمريكا والغرب أن تتحقق هذه الغايات، لأن غايتهم الأساسية هى أن تقع موسكو دائماً تحت التهديد، إلى أن تأتي اللحظة المناسبة للقضاء عليها!

وقد أكدت الأيام السابقة أن ظن زيلينسكي فى أمريكا والغرب قد خاب، لأنه قد كان لقمة سائغة فى أيديهم، وأعتقد أن جيوش أمريكا والغرب ستأتي بسرعة البرق إلى كييف عندما تتعرض إلى مجرد التهديد من موسكو، وقد ظل الأمل فى مساعدة أمريكا والغرب يراود زيلينسكى طيلة الأيام السابقة منذ بدء توجه التحركات العسكرية الروسية إلى الحدود الأوكرانية، وقد كان كله ثقة بأن القوات الأمريكية والغربية ستأتي لإنقاذ كييف عند الضرورة، ولكنه لم يُدرك أنها الحرب بالوكالة، وأنه قد خان شعبه من أجل أمريكا والغرب!

ولم نجد طوال الأيام الماضية سوى البيانات الأمريكية والغربية المنددة بما يفعله بوتين، وإعلان توقيع العقوبات الاقتصادية على موسكو، ومحاولة شل الاقتصاد الروسي، كى يتم الضغط على بوتين، وأن يعود بقواته مرة أخرى إلى موسكو، ولكنهم قد نسيوا أن بوتين لن يعود من كييف إلا إذا أحكم السيطرة تماماً على النظام الذى يحكمها، وأن يتأكد من ولاء هذا النظام لموسكو فقط وليس غيرها!

وأعتقد أن الموضوع قد أصبح معقداً، وأن الصراع فى أوكرانيا قد يطول، بسبب استمرار الإدارة الأمريكية فى عدم تبني المبادرات التى تهدف إلى ضمان عدم المساس بالأمن القومي الروسي، وفى ذات الوقت ضمان عدم المساس بأمن أوكرانيا، وسلامة شعبها، وصيانة حقوقه، ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن يكون مقبولاً النظر إلى هذا الصراع من زاوية واحدة، ولكن يجب أيضا النظر إلى مطالب موسكو، وتفهم موقفها بالنسبة للدول المحيطة بها، والتى قد كانت جزءاً منها من قبل، لأن إدارة بوتين لن تقبل أبداً اقتراب الأيادي الأمريكية أو الغربية من حدودها، وهو ما ينبغى أن تدركه إدارة بايدن والإدارات الغربية، وأن ينتفضوا حقيقة من أجل حماية أوكرانيا وشعبها، وعدم استغلالها فى تهديد الأمن القومي الروسي !.

بقلم

أ. د/ شحاتة غريب شلقامي

أستاذ القانون ونائب رئيس جامعة أسيوط

https://gate.ahram.org.eg/News/3434491.aspx