نظمت جامعة أسيوط ندوة " الثقافة في صعيد مصر .. الواقع والمستقبل " بالاشتراك مع مكتبة الاسكندرية في إطار مشروع دعم التنوع الثقافي والابتكار في مصر وذلك تحت رعاية الدكتور محمد عبد السميع عيد رئيس جامعة أسيوط ، والدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الاسكندرية ، وبحضور الدكتور محمد إبراهيم منصور مدير مركز دراسات المستقبل بالجامعة ، والدكتور خالد عزب مدير قطاع البرامج والمشروعات بمكتبة الاسكندرية ، و لفيف من أساتذة الجامعة والمثقفين بصعيد مصر والمهتمين برصد الواقع الثقافي به .
وخلال الجلسة الأولي , أوضح الدكتور محمد منصور , أن ما يحدث بمصر الآن من عملية تجريف ثقافي أدي إلي تراجع دورها في كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعليمية وبالتالي لا يمكن عزل ما يحدث الآن عن ظاهرة التردي العام لمستوي الثقافة , مشيراً إلي ضرورة إعادة الاعتبار إلي الثقافة الوطنية الديموقراطية التي قامت عليها حضارات عظيمة , والتي كانت ومازالت هدفاً خارجياً متعمداً للتشويه والعبث .
كما أكد منصور أن النهوض وإقامة دولة قوية كان دوماً مصحوباً بنشاط ثقافي تنويري , وكذلك الهبوط والرجوع كان مصحوباً بنشاط ثقافي مُتخلّف , ولعل أبرز الأمثلة علي ذلك ما شهدته مصر علي مدار تاريخها خلال فترات الثورات الوطنية كثورتيّ " 19 " و " 1952 " من إبداع وازدهار وزخم ثقافي برز خلاله نخبة من العلماء والأدباء والمثقفين أمثال طه حسين والعقاد والمازني وغيرهم , كما شهدت نبوغاً غير مسبوق في مجالات السينما والمسرح والصحافة , وهو ما جعل لمصر مكانتها البارزة في العالم .
وأضاف سيادته أن واقع الثقافة بالصعيد ليس منفصلاً عن مستوي الثقافة العام بمصر , إلا أن هذه المنطقة التي أطل منها التاريخ يوماً علي العالم من خلال حضارات في الفن والموسيقي والرسم علي الجدران , مازالت تشهد تناقضاً في مدي الإدراك والوعي التام بمفهوم الثقافة , وذلك لطبيعة الصعيد المحافظة وما يعانيه من قلة وندرة الأنشطة الأدبية والثقافية .
وقد أشار الدكتور خالد عزب إلي أن مبادرة الحوار الثقافي التي تتم من خلال نقاشات وأنشطة ثقافية متعددة إنما تأتي لبلورة سياسة وطنية ثقافية تقدم لبرمان مصر القادم ، كما أشاد سيادته بمكانة جامعة أسيوط المرموقة بين الجامعات ومدى تعاونها في نشر الثقافة صعيد مصر ، حيث من المقرر أن يتم تنظيم معرض للكتب عند افتتاح سفارة المعرفة إضافة إلي مختلف المعارض التي سيتم تنظيمها بصفة دورية .
ومن جانبه أبدي الشاعر فتحي عبد السميع استياءه الشديد لهذا الانهيار والتّدني في مستوي الثقافة المصرية , والتي اعتبرها أهم من الجيوش المصرية , كما أشار إلي أهمية دورها في بناء عقل وفكر الإنسان المصري وترسيخ المفاهيم الثقافية التي من شأنها بناء الإنسان ورفع منظومة القيم المجتمعية , مؤكداً في ذلك أن كل الأعمال زائفة إن لم تبدأ بالثقافة .
كما دعا الدكتور محيي الدين محسب أستاذ النقد الأدبي بجامعة المنيا إلي ضرورة وجود مشروع ثقافي جديد له فلسفة ورؤية ورسالة تقوم علي أساس ثلاثة مبادئ رئيسية هي : " العقلانية " عن طريق التفكير العلمي والتفكير والنقدي , و " التعددية " من خلال الحوار والتكيف مع الاختلاف بإيجابية , و " الحرية " وما يلزمها من المسئولية الإنسانية , كما أشار أيضا إلي أهمية إدارة التطوع الثقافي ، و طالب بضرورة إطلاق مشروع قانوني للهيئات والممارسات الثقافية وكل من هو قائم علي صناعة العقل , ويشارك به المثقفين والنخبة من كافة الجهات المسئولة , مشيراً في ذلك إلي إشكالية إجراء تحديث جذري للإدارات الثقافية بالجامعات والمدارس وكافة المؤسسات , والتي أصبحت الآن مولّدة للمشكلات وليست قائمة علي حلها .
وعن تراجع الدور الثقافي المصري , أشار الدكتور يوسف جاد الرب عميد كلية الآداب , أن هناك العديد من الأسباب الملموسة التي أدت إلي هذا الانهيار , أبرزها : اللهث وراء لقمة العيش والبعد عن غذاء الروح والعقل , وكذلك تلقّي الثقافات المغلوطة وأثر ذلك علي الشباب من غياب الوعي وتدني القيم والأخلاق , كما طالب جاد الرب القائمين علي الثقافة بأن يكون لهم الدور الأكبر في العملية الثقافية , متمنياً أن يمتد التنوير من مكتبة الإسكندرية إلي الصعيد .